فصل: قال أبو حيان في الآيات السابقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال ابن عطية:

{أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ}.
لما توعدهم تعالى في الآية قبلها بسنة الأولين وأن الله تعالى لا يبدلها في الكفرة، وقفهم في هذه الآية على رؤيتهم لما رأوا من ذلك في طريق الشام وغيره كديار ثمود ونحوها، و يعجزه معناه يفوته ويفلته، و{من} في قوله تعالى: {من شيء} زائدة مؤكدة، و{عليم قدير} صفتان لائقتان بهذا الموضع، لأن مع العلم والقدرة لا يتعذر شيء، ثم بين تعالى الوجه في إمهاله من أمهل من عباده أن ذلك إنما هو لأن الآخرة من وراء الجميع وفيها يستوفى جزاء كل أحد، ولو جازى عز وجل في الدنيا على الذنوب لأهلك الجميع، وقوله تعالى: {من دابة} مبالغة، والمراد بنو آدم لأنهم المجازون، وقيل المراد الجن والإنس، وقيل كل ما دب على الأرض من الحيوان وأكثره إنما هو لمنفعة ابن آدم وبسببه، والضمير في {ظهرها} عائد على {الأرض} المتقدم ذكرها، ولو لم يتقدم لها ذكر لأمكن في هذا الموضع لبيان الأمر ولكانت ك {تورات بالحجاب} [ص: 32] ونحوها، و الأجل المسمى القيامة، وقوله: {فإن الله كان بعباده بصيرًا} توعد وفيه للمتقين وعد. اهـ.

.قال القرطبي:

{أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ}.
بين السنة التي ذكرها؛ أي أو لم يروا ما أنزلنا بعاد وثمود، وبمَدْيَنَ وأمثالهم لما كذّبوا الرسل، فتدبروا ذلك بنظرهم إلى مساكنهم ودورهم، وبما سمعوا على التواتر بما حلّ بهم، أفليس فيه عبرة وبيان لهم؛ ليسوا خيرًا من أولئك ولا أقوى، بل كان أولئك أقوى؛ دليله قوله: {وكانوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَمَا كَانَ الله لِيُعْجِزَهُ مِن شَيْءٍ فِي السماوات وَلاَ فِي الأرض} أي إذا أراد إنزال عذاب بقوم لم يعْجزه ذلك.
{إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا}.
قوله تعالى: {وَلَوْ يُؤَاخِذُ الله الناس بِمَا كَسَبُواْ} يعني من الذنوب.
{مَا تَرَكَ على ظَهْرِهَا مِن دَآبَّةٍ} قال ابن مسعود: يريد جميع الحيوان مما دَبّ ودَرَج.
قال قتادة: وقد فُعل ذلك زمن نوح عليه السلام.
وقال الكلبيّ: {مِن دَآبَّةٍ} يريد الجنّ والإنس دون غيرهما؛ لأنه مُكَلَّفان بالعقل.
وقال ابن جرير والأخفش والحسين بن الفضل: أراد بالدابة هنا الناس وحدهم دون غيرهم.
قلت: والأوّل أظهر؛ لأنه عن صحابيّ كبير.
قال ابن مسعود: كاد الجُعَل أن يُعذب في جُحره بذنب ابن آدم.
وقال يحيى بن أبي كثير: أمَر رجل بالمعروف ونَهى عن المنكر، فقال له رجل: عليك بنفسك؛ فإن الظالم لا يضر إلا نفسه.
فقال أبو هريرة: كذبت؟ والله الذي لا إله إلا هو ثم قال والذي نفسي بيده إن الحُبَارَى لتموت هُزْلًا في وَكرها بظلم الظالم.
وقال الثُّمَالي ويحيى بن سلام في هذه الآية: يحبس الله المطر فيهلك كل شيء.
وقد مضى في البقرة نحو هذا عن عكرمة ومجاهد في تفسير {وَيَلْعَنُهُمُ اللاعنون} هم الحشرات والبهائم يصيبهم الجَدْب بذنوب علماء السوء الكاتمين فيلعنونهم.
وذكرنا هناك حديث البَرَاء بن عازب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: {وَيَلْعَنُهُمُ اللاعنون} قال: «دواب الأرض» {ولكن يُؤَخِّرُهُمْ إلى أَجَلٍ مُّسَمًّى} قال مقاتل: الأجل المسمى هو ما وعدهم في اللّوح المحفوظ.
وقال يحيى: هو يوم القيامة.
{فَإِنَّ الله كَانَ بِعِبَادِهِ} أي بمن يستحق العقاب منهم {بَصِيرًا}.
ولا يجوز أن يكون العامل في إذا {بصِيرًا} كما لا يجوز: اليوم إن زيدًا خارج.
ولكن العامل فيها {جاء} لشبهها بحروف المجازاة، والأسماء التي يجازَى بها يعمل فيها ما بعدها.
وسيبويه لا يرى المجازاة ب إذا إلا في الشعر، كما قال:
إذا قَصُرت أسيافنا كان وصلها ** خُطانا إلى أعدائنا فنضاربِ

. اهـ.

.قال أبو السعود:

{أَوَلَمْ يَسيرُواْ في الأرض فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عاقبة الذين مِن قَبْلِهِمْ}.
استشهاد على ما قبلَه من جريانِ سُنَّتِه تعالى على تعذيبِ المُكذِّبينَ بما يشاهدوَنُه في مسايرِهم إلى الشَّامِ واليمنِ والعراقِ من آثار دمار الأممِ الماضيةِ العاتيةِ والهمزةُ للإنكارِ والنَّفيِ. والواوُ للعطفِ على مقدَّرٍ يليقُ بالمقامِ أي أقعدُوا في مساكنِهم ولم يسيرُوا في الأرضِ فينظُروا كيف كان عاقبةُ الذين من قبلِهم {وَكَانُواْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً} وأطولَ أعمارًا فما نفعُهم طولُ المَدَى وما أغنَى عنهم شدَّةُ القُوى. ومحلُّ الجملةِ النَّصبُ على الحاليَّةِ. وقولُه تعالى: {وَمَا كَانَ الله لِيُعْجِزَهُ مِن شَىْء} أي ليسبقَه وبفوتَه {فِي السموات وَلاَ في الأرض} اعتراضٌ مقررٌ لما يُفهم مَّما قبله من استئصالِ الأممِ السَّالفةِ. وقولُه تعالى: {إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا} أي مُبالغًا في العلمِ والقُدرةِ ولذلك علمَ بجميعِ أعمالِهم السَّيئةِ فعاقبَهم بموجبِها تعليل لذلك.
{وَلَوْ يُؤَاخِذُ الله الناس} جميعًا {بِمَا كَسَبُواْ} من السَّيئاتِ كما فُعل بأولئكَ {مَا تَرَكَ على ظَهْرِهَا} أي على ظهرِ الأرضِ {مِن دَابَّةٍ} من نسمةٍ تدُبُّ عليها من بني آدمَ وقيل: ومن غيرِهم أيضًا من شؤمِ معاصِيهم. وهو المرويُّ عن ابن مسعودٍ وأنس رضي الله عنهما. ويُعضدُ الأوَّلِ قولُه تعالى: {ولكن يُؤَخِرُهُمْ إلى أَجَلٍ مسمى} وهو يومُ القيامةِ {فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ فَإِنَّ الله كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا} فيجازيهم عندَ ذلك بأعمالِهم إنْ خيرًا فخيرٌ وإنْ شرًَّا فشرٌّ.
عن النبيِّ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامِ: «مَن قرأَ سورةَ الملائكةِ دعتْهُ ثمانيةُ أبوابِ الجنَّةِ أنِ ادخلْ من أيِّ بابٍ شئت» والله تعالَى أعلمُ. اهـ.

.قال الألوسي:

{أَوَ لَمْ يَسِيرُواْ في الأرض فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عاقبة الذين مِن قَبْلِهِمْ}.
استشهاد على ما قبله من جريان سنة الله تعالى على تعذيب المكذبين بما يشاهدونه في مسايرهم ومتاجرهم في رحلتهم إلى الشام واليمن والعراق من آثار الأمم الماضية وعلامات هلاكهم، والهمزة للانكار والواو للعطف على مقدر يليق بالمقام على رأي أي أقعدوا ولم يسيروا، وقوله تعالى: {وَكَانُواْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً} في موضع الحال بتقدير قد أو بدونها.
{وَمَا كَانَ الله لِيُعْجِزَهُ} أي ليس من شأنه عز شأنه أن يسبقه ويفوته {مِن شَىْء} أي شيء ومن لاستغراق الأشياء {فِي السماوات وَلاَ في الأرض} هو نظير {لاَ يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً} [الكهف: 49] والواو حالية أو عاطفة.
وفي الإرشاد الجملة اعتراض مقرر لما يفهم مما قبله من استئصال الأمم السالفة، وظاهره أن الواو اعتراضية.
{إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا} مبالغًا في العلم والقدرة، والجملة تعليل لنفي الإعجاز.
{وَلَوْ يُؤَاخِذُ الله الناس} جميعًا {بِمَا كَسَبُواْ} فعلوا من السيئات كما واخذ أولئك {مَا تَرَكَ على ظَهْرِهَا} أي ظهر الأرض وقد سبق ذكرها في قوله تعالى: {فِي السموات وَلاَ في الأرض} [فاطر: 44] فليس من الإضمار قبل الذكر كما زعمه الرضى؛ وظهر الأرض مجاز عن ظاهرها كما قال الراغب وغيره، وقيل: في الكلام استعارة مكنية تخييلية والمراد ما ترك عليها {مِن دَابَّةٍ} أي من حيوان يدب على الأرض لشؤم المعاصي، وقد قال سبحانه {واتقوا فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الذين ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَاصَّةً} [الأنفال: 25] وهو المروى عن ابن مسعود، وقيل: المراد بالدابة الانس وحدهم وأيد بقوله تعالى: {ولكن يُؤَخِرُهُمْ إلى أَجَلٍ مسمى} وهو يوم القيامة فإن الضمير للناس لأنه ضمير العقلاء ويوم القيامة الأجل المضروب لبقاء نوعهم، وقيل: هو لجميع من ذكر تغليبًا ويوم القيامة الأجل المضروب لبقاء جنس المخلوقات {فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ فَإِنَّ الله كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا} فيجازي المكلفين منهم عند ذلك بأعمالهم إن شرا فشر وإن خيرًا فخير، وجملة {فإن الله} الخ موضوعة موضع الجزاء والجزاء في الحقيقة يجازي كما أشرنا إليه، هذا والله تعالى هو الموفق للخير ولا اعتماد إلا عليه. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ}.
عطف على جملة {فهل ينظرون إلا سنت الأولين} [فاطر: 43] استدلالًا على أن مساواتهم للأولين تنذر بأن سيحل بهم ما حلّ بأولئك من نوع ما يشاهدونه من آثار استئصالهم في ديارهم.
وجملة {وكانوا أشد منهم قوة} في موضع الحال، أي كان عاقبتهم الاضمحلال مع أنهم أشد قوة من هؤلاء فيكون استئصال هؤلاء أقرب.
وجيء بهذه الحال في هذه الآية لما يفيده موقع الحال من استحضار صورة تلك القوة إيثارًا للإِيجاز لاقتراب ختم السورة.
ولذلك لم يؤت في نظائرها بجملة الحال ولكن أتى فيها بجملة وصففٍ في قوله في سورة غافر (21): {الذين كانوا من قبلهم كانوا هم أشد منهم قوة وآثارًا في الأرض} وفي سورة الروم (9) {الذين من قبلهم كانوا أشد منهم قوة وأثاروا الأرض} حيث أوثر فيهما الإِطناب بتعداد بعض مظاهر تلك القوة.
{مِنْهُمْ قُوَّةً وَمَا كَانَ الله لِيُعْجِزَهُ مِن شيء في السماوات وَلاَ في الأرض إِنَّهُ كَانَ} لما عَرَض وصف الأمم السابقة بأنهم أشد قوة من قريش في معرض التمثيل بالأولين تهديدًا واستعدادًا لتلقّي مثل عذابهم أتبع ذلك بالاحتراس عن الطماعية في النجاة من مثل عذابهم بعلة أن لهم من المنجيات ما لم يكن للأمم الخالية كزعمهم: أن لهم آلهة تمنعهم من عذاب الله بشفاعتها أو دفاعها فقيل: {وما كان الله ليعجزه من شيء في السماوات ولا في الأرض}، أي هَبكم أقوى من الأولين أو أشدّ حِيلة منهم أو لكم من الأنصار ما ليس لهم، فما أنتم بمفلَتين من عذاب الله لأن الله لا يُعجزه شيء في الأرض ولا في السماء كقوله: {وما أنتم بمعجزين في الأرض ولا في السماء وما لكم من دون اللَّه من ولي ولا نصير} [العنكبوت: 22].
وجيء بلام الجحود مع {كان} المنفية لإِفادة تأكيد نفي كل شيء يحول دون قدرة الله وإرادته، فهذه الجملة كالاحتراس.
ومعنى يعجِزه: يجعله عاجزًا عن تحقيق مراده فيه فيفلت أحد عن مراد الله منه.
وجملة {إنه كان عليمًا قديرًا} تعليل لانتفاء شيء يغالب مراد الله بأن الله شديد العلم واسعه لا يخفى عليه شيء وبأنه شديد القدرة.
وقد حصر هذان الوصفان انتفاء أن يكون شيء يعجز الله لأن عجز المريد عن تحقيق إرادته: إما أن يكون سببه خفاء موضع تحقق الإِرادة، وهذا ينافي إحاطة العلم، أو عدم استطاعة التمكن منه وهذا ينافي عموم القدرة.
{وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ}.
تذكير لهم عن أن يغرهم تأخير المؤاخذة فيحسبوه عجزًا أو رضى من الله بما هم فيه فهم الذين قالوا: {اللهم إن كان هذا هو الحقَّ من عندك فأمْطِرْ علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم} [الأنفال: 32] فعلَّمهم أن لعذاب الله آجالًا اقتضتها حِكمتهُ، فيها رَعْي مصالح أمم آخرين، أو استبقاءُ أجيال آتين.
فالمراد ب {الناس} مجموع الأمة، وضمير ما كسبوا وضمير {يؤخرهم} عائد إلى {أجل}.
ونظير هذه الآية تقدم في سورة النحل إلى قوله: {فإذا جاء أجلهم} إلا أن هذه الآية جاء فيها {بما كسبوا} وهنالك جاء فيها {بظلمهم} [النحل: 61] لأن ما كسبوا يعم الظلم وغيره.
وأوثر في سورة النحل {بظلمهم} لأنها جاءت عقب تشنيع ظلم عظيم من ظلمهم وهو ظلم بناتهم المَوْءُودَات وإلا أن هنالك قال: {ما ترك عليها} [النحل: 61] وهنا {ما ترك على ظهرها} وهو تفنن تبعه المعري في قوله:
وإن شئت فازعم أن مَن فوق ظهرها ** عبيدُك واستشهدْ إلهاك يَشْهَدِ

والضمير للأرض هنا وهناك في البيت لأنها معلومة من المقام.
والظهر: حقيقته متن الدابة الذي يظهر منها، وهو ما يعلو الصلب من الجسد وهو مقابل البطن فأطلق على ظهر الإِنسان أيضًا وإن كان غير ظاهر لأن الذي يظهر من الإِنسان صدره وبطنه.
وظهر الأرض مستعار لبسطها الذي يستقر عليه مخلوقات الأرض تشبيهًا للأرض بالدابة المركوبة على طريقة المكنية.
ثم شاع ذلك فصار من الحقيقة.
فأما قوله هنا: {فإن اللَّه كان بعباده بصيرًا}، وقد قال هنالك {لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون} [النحل: 61]، فما هنا إيماء إلى الحكمة في تأخيرهم إلى أجل مسمى.
والتقدير: فإذا جاء أجلهم آخذَهم بما كسبوا فإن الله كان بعباده بصيرًا، أي عليمًا في حالي التأخير ومجيء الأجل، ولهذا فقوله: {فإن اللَّه كان بعباده بصيرًا} دليل جواب إذَا وليس هو جوابها، ولذلك كان حقيقًا بقرنه بفاء التسبب، وأما ما في سورة النحل فهو الجواب وهو تهديد بأنهم إذا جاء أجلهم وقع بهم العذاب دون إمهال.
وقوله: {فإن اللَّه كان بعباده بصيرًا} هو أيضًا جواب عن سؤال مقدر أن يقال: ماذا جنت الدوابّ حتى يستأصلها الله بسبب ما كسب الناس، وكيف يهلك كل من على الأرض وفيهم المؤمنون والصالحون، فأفيد أن الله أعلم بعدله.
فأما الدواب فإنها مخلوقة لأجل الإِنسان كما قال تعالى: {هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعًا} [البقرة: 29]، فإهلاكها قد يكون إنذارًا للناس لعلهم يقلعون عن إجرامهم، وأما حال المؤمنين في حين إهلاك الكفار فالله أعلم بهم فلعل الله أن يجعل لهم طريقًا إلى النجاة كما نجّى هودًا ومن معه، ولعله إن أهلكهم أن يعوض لهم حسن الدار كما قال النبي صلى الله عليه وسلم «ثم يحشرون على نياتهم». اهـ.

.قال أبو حيان في الآيات السابقة:

{وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ}.
الضمير في {وأقسموا} لقريش.
ولما بين إنكارهم للتوحيد، بين تكذيبهم للرسل.
قيل: وكانوا يعلنون اليهود والنصارى حيث كذبوا رسلهم، وقالوا: لئن أتانا رسول ليكونن أهدى من إحدى الأمم.
فلما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم، كذبوه.
{لئن جاءهم}: حكاية لمعنى كلامهم لا للفظهم، إذ لو كان اللفظ، لكان التركيب لئن جاءنا نذير من إحدى الأمم، أي من واحدة مهتدية من الأمم، أو من الأمة التي يقال فيها إحدى الأمم تفضيلًا لها على غيرها، كما قالوا: هو أحد الأحدين، وهو أحد الأحد، يريدون التفضيل في الدهاء والعقل بحيث لا نظير له، وقال الشاعر:
حتى استشاروا في أحد الأحد ** شاهد يرادا سلاح معد